المدارس الاهلية والسعودة والانظمة التي لاتطبق!!!

[بداية عاطل]

المدارس الأهلية والسعودة المنتظرة



محمد بن عبدالله السهلي*
يعد التعليم من أهم الركائز على الاطلاق في نهضة الدول وتقدمها، وهو معيار تفوق الحضارات ورقيها. لذا لا غرو أن تولي المملكة اهتماماً كبيراً بالتعليم في خططها التنموية، وأن تخصص للتعليم نصيب الأسد في ميزانياتها السنوية. وعند الحديث عن التعليم وخصوصاً العام منه فانه يتبادر للذهن التعليم الأهلي باعتباره رافداً أساسياً للتعليم في المملكة، ويحظى بدوره بدعم الدولة وتشجيعها للنهوض بجانب التعليم الحكومي لتحقيق الأهداف السامية المنشودة. فقد جاء في المادة (175) من السياسة العامة للتعليم في المملكة ما نصه «تشجع الدولة التعليم الأهلي في كافة مراحلة، ويخضع لاشراف الجهات التعليمية المختصة فنياً وادارياً».
والمتتبع لقضايا التعليم يلمس تعاظم أهمية التعليم الأهلي في المملكة وتزايد الاستثمار فيه، وبلغة الأرقام وبحسب ما جاء في خطة التنمية الوطنية السادسة فقد بلغ عدد المدارس الأهلية في المملكة حوالي (1100) مدرسة للبنين والبنات ويشكل طلاب المدارس الأهلية حوالي 7٪ من اجمالي عدد طلاب المملكة، وهي نسبة في تزايد سنة بعد سنة، خاصة مع تشجيع الدولة للاستثمار بالتعليم الأهلي من خلال تمويل القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع تشييد المدارس والمرافق التعليمية الأخرى، وتقديم اعانات مادية سنوية للمدارس الأهلية، وكل ذلك دلالة قاطعة على اهتمام الدولة بالتعليم خاصة في ظل تزايد معدل النمو السكاني بالمملكة.
والحديث عن المدارس الأهلية وواقعها حديث متشعب، لذا سيتم تناول موضوع محدد فيه، وهو سعودة المدرسين والمدرسات في المدارس الأهلية والواقع الحالي لهم، والأنظمة التي تحكمها.
عند المختصين في العملية التربوية والتعليمية هناك ثلاثة مرتكزات لنجاح العمل التعليمي ومخرجاته، والمرتكزات الثلاثة هي: الطالب - المنهج - المعلم، والمعلم هو الطرف الأهم والمؤثر في العملية التعليمية. ولكي يكون فاعلاً ومنتجاً يجب توافر عوامل عدة منها - بالاضافة الى الصفات الذاتية - الراحة النفسية والاستقرار الذاتي والمستوى المعيشي المرضي التي تعتبر محفزات لبذل المزيد من الجهد والعطاء الممزوج بحب المهنة والاخلاص له. واذا أنزلنا هذا الكلام النظري على واقع المدرسين والمدرسات السعوديين في المدارس الأهلية لوجدنا انفصاماً وتباعداً ملحوظاً بين النظرية والواقع. وأسباب ذلك يمكن أن نفهمها من خلال تسليط الضوء على هذا الواقع، حيث يشير في البدء الى أن نسبة السعودة في المدارس الأهلية دون مستوى التطلعات والآمال، خاصة اذا لاحظنا تزايد أعدد خريجي الجامعات وكليات المعلمين وقصور المدارس الحكومية عن استيعابهم جميعاً وهو أمر طبيعي في ظل استمرار القبول في جميع الكليات الجامعية دون الأخذ في الحسبان مبدأ الاكتفاء أو الحاجة الفعلية لهذا التخصص أو ذاك.
وفي سبيل اتخاذ خطوات عملية نحو السعودة في المدارس الأهلية فقد أصدر معالي وزير العمل قراراً بسعودة مدارس التعليم الأهلي بنسبة 80٪ ، الا أنه وللأسف تراجعت عنه الوزارة بعد ذلك مكتفية بسعودة المهن الادارية (صحيفة الوطن 27/4/1426ه). كما أصدرت وزارة التربية والتعليم بالاتفاق مع وزارة العمل عقداً موحداً للتعاقد مع المدرسين والمدرسات السعوديين، وتم الاتفاق ايضاً على الزام المدارس الأهلية بحد أدنى لرواتب المعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية، وهو للأسف متدن جداً ولا يتناسب اطلاقاً مع هذه المهنة الشريفة الحساسة، ألم يكد المعلم أن يكون رسولاً، ولا أدري بصراحة ما هي الأسس التي تم على ضوئها اعتمادها، فمثلاً تم تحديد الحد الأدنى لراتب المدرس الذي يحمل الشهادة الجامعية ب 2400 ريال، والذي يحمل الشهادة الجامعية مع الدبلوم ب 2700 ريال، فالسؤال البدهي هنا كيف نضمن انتاجية مثالية للمعلم وكيف لنا أن نراهن على مستوى مخرجات التعليم الأهلي في ظل تدني المستوى المعيشي لهم. فالمرحلة التي نعيشها تتطلب اعادة النظر في العملية التربوية والتعليمية. والغريب في الأمر ورغم تدني رواتب المدرسين والمدرسات في المدارس الأهلية هناك مطالبة من ملاك المدارس الأهلية (صحيفة الجزيرة 24/1/1427) بتحديد نسبة السعودة في المدارس الأهلية بدءاً من 25٪ وبزيادة سنوية قدرها 2,5٪ وصولاً الى 50٪ من عدد العاملين، أي بعد عشر سنوات؟!!. وهذه المطالب تستمد قوتها من تكتل ملاك المدارس الأهلية وتنظيم صفوفهم بالتعاون مع لجنة التعليم الأهلي في الغرفة التجارية والصناعية، أي هناك توجه واضح نحو تشكيل جماعة ضغط تجاه أهداف السعودة في المدارس الأهلية، عن طريق تغليب المصالح الخاصة.
ورغم تدني الرواتب الا أنه يلاحظ أن بعض المدارس الأهلية لا تلتزم بها ولا تلتزم بالعقد الموحد، وفي المقابل هناك اتهام من ملاك المدارس الأهلية أن الكثير من المدرسين والمدرسات ينسحبون فجأة من العمل وأثناء سير الفصل الدراسي بل وقبل أيام قليلة من الامتحانات الدراسية( حجة واهية سوا استطلاع وشفوا حقيقة الامر) مما يسبب ربكة في سير العملية التربوية لديهم، وهو بلا شك تصرف غير مسؤول ولكن له أسبابه، فعدم وجود الأمن الوظيفي وقلة أو انعدام الحوافز المادية والمعنوية للمدرس يجعله يعيش في وضع غير صحي وعدم الاستقرار يدفعه للتفكير يومياً بترك العمل في المدرسة الأهلية وانتظار الوظيفة للتدريس في المدارس الحكومية أو حتى أي وظيفة أخرى. لذا لا نستغرب التسرب من المدارس الأهلية رغم مطالب السعودة. وأصبحنا في حيرة من الأمر، هل نحن فعلاً جادون في السعودة. فلايزال أصحاب المدارس الأهلية ومن منطلق تجاري بحت يفضلون التعاقد مع وافدين يرضون بتقاضي رواتب أقل من الحد الأدنى للرواتب ويقبلون بالعمل بنصاب حصص كبير، وكل ذلك رغبة منهم في تخفيض مصاريف المدرسة وزيادة الأرباح دون أي اكتراث بمستوى التعليم ونتائجه على المجتمع في المدى القريب والبعيد. وللأسف لا يزال الكثير من المدارس الأهلية ملجأ للطلاب المتعثرين في المدارس الحكومية نظراً لتعاظم فرص النجاح السهل فيها.
إذاً ما هو الحل، الحل لا يكون بسن الأنظمة والضوابط فقط بل بالتطبيق لها، فبداية لا بد من تعديل لائحة تنظيم المدارس الأهلية المطبق حالياً والصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 1006 وتاريخ 13/8/1395ه، فهذه اللائحة قديمة وتحتاج الى تطعيم واضافات لكي تكون أكثر مواءمة مع الأهمية التي توليها الدولة وتنشدها من التعليم الأهلي كرافد للتعليم الحكومي في النهوض بالتعليم وتحقيق الأهداف المنشودة. وأن تُضمن اللائحة التزامات على ملاك المدارس الأهلية تجعل من التعليم الأهلي تعليماً مسؤولاً وعلى مستوى التطلعات، ومن الحلول تطبيق الجزاءات بصرامة على المدارس الأهلية المخالفة لنسب السعودة أو التي لا تلتزم بالعقد الموحد المفروض من وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل، وتلك التي لا تلتزم الحد الأدنى للرواتب (رغم التحفظ على تدنيها) ومن هذه الجزاءات الحرمان من الاعانة السنوية والحرمان من الاستقدام، واغلاق المدرسة . ( أحسن يا ستهلون)
والدولة بلا شك حريصه كل الحرص على دعم القطاع الخاص في الاستثمار بالتعليم الأهلي وتقديم الدعم المادي والمعنوي اللازمين لكي يقوم بالدور المنتظر منه في دعم مسيرة التعليم في المملكة، ولكن لا نرضى أن يستغل هذا الدعم بشكل خاطئ ويسيطر الهدف التجاري البحت على ما ساواه.

*باحث قانوني

[ساندي12]

والله اغلب المدارس الاهلية لاتطبق القوانين