مليون متخلف يزيدون أوجاع جدة مع الخدمات الأساسية

[لحظات مودع]

أعداد كبيرة من العمالة تتكدس كل جمعة في أحد الأحياء الشعبية

جدة: محمد الزايد

أكد مسؤولون في الجهات الخدمية ومواطنون ومقيمون أن ظاهرة العمالة المخالفة في جدة، التي يزيد عددها على مليون شخص وفقا لتقديرات رسمية، باتت تمثل عبئا مرهقا لكاهل المدينة التي تعصف بها أزمات موسمية وغير موسمية في مجال مياه الشرب والكهرباء.
وأشاروا إلى ما يسببه هؤلاء من مشاكل اجتماعية وأمنية خطيرة أصبحت تقض مضاجع المجتمع الجداوي الذي يفيق بين لحظة وأخرى على صدى جرائم لم يألفها من قبل.
وفي هذا الصدد، قامت "الوطن" بجولة شملت غالبية أحياء جدة الفقيرة والغنية رصدت خلالها تواجد أعداد كبيرة من المخالفين لنظام الإقامة ينتشرون بين ثنايا المجتمع مشكلين - وفق خبراء ومسؤولين - ضغطا شديدا يصيب مشاريع الدولة وخدماتها بالإرباك لأن عدد المقيمين المخالفين يظل مثل الزئبق عصيا على الإحصاء والرصد.
وهو الأمر الذي أكده لنا المواطن نزار صيرفي الذي يرى أن تحولا خطيرا حدث في البنية السكانية في مدينة جدة، وتحديدا في أكثر الأحياء صخبا فكل ما فيها يقول إنها ليست إلا قطعة من الهند أو باكستان أو بنجلاديش أو إفريقيا.. ويضيف قائلا إن عدد المقيمين بطريقة غير مشروعة كبير جدا لكنه يظل غير دقيق وهو بهذا يربك خطط التنمية ويربك الخدمات إذ يصبح الطلب عليها أكبر مما هو مقدم في الواقع..
ويدعم هذا الرأي المواطن عبد الله المالكي قائلا: حين تكون في إشارة المرور مثلا تجد أن السيارات التي تحيط بك من كل جانب يستقلها عدد من تلك العمالة، وفي وسعي أن أقول إن بين كل 10 سيارات من تلك التي يستقلها هؤلاء سيارة واحدة يستقلها مواطن. وبالتالي فإن العمالة المخالفة لنظام الإقامة تظل بمنأى عن الإحصاء، الأمر الذي يشكل ضغطا على الماء والكهرباء وعلى كل الخدمات التي تقدمها الدولة.
ويؤكد محمد الملفي أن عدد المقيمين بطريقة غير مشروعة كبير جدا فنظرة واحدة متمعنة كفيلة بإعطاء مؤشرات عميقة، فمثلا نجد أن المساجد في جميع أحياء جدة تمتلئ بالعمالة، وتكاد تجد أن المواطنين قلة قليلة بين هذا البحر الطاغي من العمالة الذين يظل أكثرهم مقيما بطريقة غير نظامية مما يربك خطط الدولة ويزيد الضغط على كل الخدمات التي هي في الواقع مقدمة وفق إحصائية محددة، وتسبب هذا الوجود العشوائي لهؤلاء المقيمين المخالفين في زيادة الاستهلاك مما يؤدي إلى نقص حاد في تلك الخدمات ولنأخذ الماء مثالا حيا على ذلك.. فمدينة جدة تشهد نقصا حادا في المياه ومن أسباب ذلك النقص الحاد الاستهلاك الكبير الذي تلعب فيه العمالة المخالفة ( وهي رقم كبير) دورا سلبيا لم يخطر على بال المخططين لمشروع المياه.!
ويتساءل علي النعمي قائلا: لماذا كل هذا العدد الهائل من العمالة؟ وهل بلادنا بحاجة فعلية لكل هؤلاء؟. ألا يدعو هذا العدد الكبير من هؤلاء الذين يتكاثرون كالفطر في جدة وفي مدن كثيرة من المملكة للريبة والخوف؟.
وقال المواطن أحمد الناصر: هذه العمالة سائبة بكل ما في الكلمة من معنى، وهؤلاء الذي يتجولون في الطرقات بلا سبب وبلا عمل، ويقيمون طويلا بحثا عن فرصة عمل سانحة.. يشكلون ضغطا على كل الخدمات كما يشكلون خطرا حقيقيا على أمن المجتمع لأنهم إذا لم يجدوا عملا يؤمن لهم دخلا ثابتا سيتصرفون تصرفا غريزيا، كالسرقة وبيع الممنوعات وأنواع عديدة من المخدرات..
وفي منزل ملاصق لمنازل هذه العمالة التقينا سعيد عمير الذي عبر عن استيائه الشديد وخوفه في نفس الوقت على بيته وأسرته من هذه العمالة التي تغطي كامل الحي الذي يسكن فيه وهو حي النزهة وقال إنه يعيش إلى جوارهم بحذر شديد وأن الخوف منهم مسيطر عليه خصوصا وأنهم يمرون بجوار باب بيته ليلا ونهارا..
وأضاف عمير أن البيت الواحد يسكنه العشرات من هؤلاء وبالتالي فإن عدد المقيمين لابد وأن يكون كبيرا مما يشكل ضغطا على كل المشاريع والخدمات التي تقدمها الدولة، ويطرح سؤالا ألا وهو: هل ما كان مقدما لمئة شخص يكون كافيا لألف؟.
ويثير العم سعيد نقطة أخرى مهمة وهي استيلاء هؤلاء الغرباء على هذا الحي بهذه الطريقة، مطالبا بحل عاجل بعد أن أعيته الشكاوى على حد قوله في الوصول لحل مع هذا الوضع المريب وغير الطبيعي بالمرة خصوصا وأنه بات يشعر بأنه غريب وسط هذا الحشد من الغرباء الذين لهم ثقافاتهم وتصرفاتهم وعاداتهم وأحلامهم ورغباتهم وطموحاتهم.. متسائلا في نفس الوقت عن المسؤول عن هكذا تحول في بنية السكان هنا بهذا الحي الذي صار موئلا لغير المواطنين، بل صار فيه الغريب ينظر إلى المواطن بوصفه دخيلا على الحي.
وفي جوف حي النزهة المنظم موقع آخر يضم أعدادا كبيرة جدا من العمالة البنجلاديشية وأصبح السوق المقام وسطه يعرف لدى كل سكان جدة بسوق البنجلاديشيين، وكانت جولتنا في هذا الحي عصر يوم جمعة. وقد لمسنا اكتظاظا هائلا وبات السير بالسيارة أمرا صعبا وكذلك كان السير على القدمين من فرط الأعداد الهائلة من العمالة المنطلقة بهذا الحي من دون رقيب.. وفي هذا الحي يبيع هؤلاء كل ما هو مخالف وممنوع وكل ما يخطر على بالك أو ما لا يخطر.. فهم مثلا يقومون ببيع السيديهات بكميات كبيرة وربما تضم تلك الأسطوانات ما هو مناف للأخلاق والقيم...
ويعبر حسن العمري وممدوح العمري ونايف الحربي (من سكان حي النزهة) عن استيائهم من تصرفات هؤلاء ويتحدثون عن أنهم يعانون كثيرا منهم وخصوصا يوم الجمعة حيث يشهد هذا الحي كثافة عددية هائلة وحركة كبيرة ومؤذية لأهل الحي من المواطنين تتلخص تحديدا في إغلاق مداخل ومخارج الحي ليس بالسيارات فقط وإنما بمئات الأشخاص من هذه العمالة والتي تحدث ضجة وارتباكا وسط حيهم مصورين لنا حال الحي بقولهم " لقد أصبحنا وكأننا نقيم في إحدى مدن بنجلاديش ولسنا ضمن أحد أحياء مدينة جدة بسبب هذه الكثافة العددية الهائلة لهذه العمالة والواضح أن أغلبها مخالف لنظام الإقامة ويشكل خطرا ليس على ممتلكاتنا وبيوتنا وإنما على أبنائنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا"..
ويعلق الدكتور زكريا الشربيني أستاذ علم النفس بجامعة الملك عبد العزيز قائلا: القضية ينظر إليها من ثلاثة جوانب الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، فمن الجانب الاقتصادي يعتبر المتخلفون عبئا على الدولة من جهة الخدمات المقدمة مثل المواصلات وسواها، ومن الجانب الاجتماعي فلا بد من وضع ضوابط لهذه الفئة للحد من اندفاعها نحو الجريمة، وبالتالي نحن نحتاج إلى عدد كبير من الجهات الرسمية للتدخل وهذا بحد ذاته أمر مكلف للدولة، ومن الجانب النفسي فإن المتخلف يتمادى في ارتكاب المخالفات لأنه ليس مرتاح نفسيا بخصوص مدة بقائه وهذا ما يدفعه إلى ممارسة أي عمل.
ويرى الدكتور عائض أبو نخاع أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك عبد العزيز أن العمالة غير النظامية تمثل عائقا يؤثر على القدرة الإنتاجية للمجتمع الأمر الذي يؤثر على خطط التنمية كما يؤثر على التقدم الاجتماعي ووجود هؤلاء بأعداد كبيرة يؤدي إلى ظهور البطالة بين أفراد هذه الفئة مما يؤدي إلى ظهور السلوك المنحرف بل إلى زيادة الجرائم الاقتصادية كما أن زيادة التدفق البشري من هذه العمالة غير النظامية إلى المدن يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الضغط على الخدمات المقدمة فيها، ويفرز تركز هذه الفئة في مناطق سكنية شعبية ثقافات متعددة كما تفرز عدم التجانس مع بقية المجتمع نتيجة للثقافات المتباينة مما يزيد من معدلات الانحراف الاجتماعي وبالتالي ارتفاع معدلات الجريمة..
ويقول وكيل أمين محافظة جدة للخدمات المهندس خالد عقيل: يشير الإحصاء السكاني الأخير لمدينة جدة إلى ما مقداره ( 2900000 ) نسمة، الأمر الذي يدفع الأمانة إلى بناء دراساتها التخطيطية والخدمية وتفاصيل الحركات المرورية لتحسين الحركة ومشاريع النقل وفقا لهذه الإحصائية.
ويضيف: في حال وجود أعداد كبيرة غير مشمولة بالإحصاء فإن ذلك يؤثر حتما على دراسات الأمانة وحساباتها لما تحتاجه المدينة من خدمات ومشروعات لافتا إلى أن الأمانة تعاني من هذه الظاهرة بشكل مباشر.
ويقول المهندس عقيل موضحا: إن وجود أعداد كبيرة من المتخلفين يؤدي إلى انتشار أعمال مخالفة تتمثل في تشويه منظر الشوارع العامة وبعض الممارسات المرفوضة فضلا عن مشاركة هذه العمالة في الاعتداء على الأراضي ومساهمتها في بناء وإنشاء المواقع غير النظامية..
ويؤكد وزير المياه والكهرباء المهندس عبدالله الحصين أن العدد التقريبي لمخالفي نظام الإقامة يدخل ضمن العدد المحتسب عند تقدير الكميات الواردة فيما يخص الخدمات التي تقدمها وزارة المياه والكهرباء.
وأضاف قائلا: أن هنالك تأثيرا على مستوى الخدمات المقدمة بزيادة أعداد المقيمين بطريقة غير شرعية، ويستوي في هذا العمالة المخالفة والعمالة المقيمة بشكل رسمي إذا كانت لا تلتزم بالمدينة أو المنطقة التي أتت للعمل بها فإن ذلك يؤثر أيضا على مستوى توزيع وتقديم الخدمة لأي مرفق ويعتبر عبئا على الموارد والمرافق بكافة أنواعها بالدولة كما يؤثر على موازنة الدولة بشكل عام.
وقال مدير عام الإدارة العامة للمياه بمحافظة جدة عبد الرحمن سالم المحمدي:
خطط التحلية فيما يخص المياه مبنية على أن عدد سكان مدينة جدة يبلغ حوالي 3 ملايين نسمة بينما وصلنا من مصادر رسمية أن عدد السكان قرابة 4 ملايين نسمة وبالتأكيد فإن هذا المليون يشكل عدد العمالة المتخلفة والتي لم يشملها الإحصاء الرسمي، وهذا يزيد من الاستهلاك بشكل عام ليس للماء والكهرباء فقط وإنما كل المرافق العامة.
و يعتقد المحمدي أن زيادة أعداد العمالة المتخلفة مرتبطة بالسماح بزيادة أعداد المعتمرين في السنوات الثلاث الماضية حيث يستوطن أغلب هؤلاء بمدينتي مكة المكرمة وجدة وخاصة مدينة جدة لوجود فرص عمل كثيرة ومتاحة لهم من قبل المواطنين حيث يعتبر المواطن أحد العوامل الرئيسية في ***** هذه العمالة من خلال السماح لها بالعمل دون التقيد بشروط الإقامة الصحيحة.
فإذا كان معدل استهلاك الفرد أو احتياجه 250 لتر ماء يوميا، فإن هنالك قرابة 250 ألف لتر تقدر بثلث الاحتياج يذهب هباء، ولولا وجود هذه العمالة لاستفاد منه المواطن والمقيم النظامي، وهذه هي إحدى المشاكل الرئيسية بالنسبة لقطاع المياه مثلا ناهيك عن كافة المرافق والخدمات المقدمة.
وحمل المحمدي الجهات المختصة بشؤون العمرة وكذلك الجوازات مسؤولية القضاء على هذه الظاهرة والتخفيف منها كونها تشكل عبئا على الخدمات

[ماعادبدري]

هزولات الله يعين بس