الموضوع: رائحة الموت
عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 13-04-2014, 03:22 AM
هييبه ملوووك هييبه ملوووك غير متصل
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 93
معدل تقييم المستوى: 219087
هييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداعهييبه ملوووك محترف الإبداع
رائحة الموت

وهل للموت رائحه ؟!!!

الموت لالون له ولا رائحه

ولكن له طعم تذوب من مرارته جبال من الاماني والاوهام

*******

عند مدخل الغرفه تسمرت قدماي ،،،وانا استمع لصوت انفاسي المتلاحقه ونبضات قلبي المتزايده ،،،

تعمدت ان آتي الى هنا مبكره قبل الجميع ،،، كي اعيش ساعات الضعف ،،، ولحظات الانهيار المتوقعه وحدي،،،، لاستجمع بعدها قواي وابدو قويه اكثر منهم فهم محتاجون لمن يقويهم ،،،هكذا تعودت ان اكون ،،،ولو كلفني ذلك الكثير من التصبر والتصنع والمكابره ..!!

بسم الله

هذا مانطق به لساني وانا أَهْم بدخول الغرفه وأجول بناظري الى ارجائها وسقفها ،،،واخمن بداخلي ماهية اثاثها ومكوناتها

هنا
المحطه الاخيره الفاصله بين مسكن الدنيا ومثوى الاخره
هنا
المكان الذي يتجرد فيه الميت من آخر متاع كان له في الدنيا ليُغسَل ويُطهرويُطيب ويُلبس مايليق بحاله ومآله
هنا
النقطه الفاصله لآخر لقاء يجمعه بمن يُحب ،،،الذين اجتمعوا من اجل ان يقوموا على أمره ،،، والذي لم يعد يملك منه شئ

انها (( مغسلة الاموات ))

لطالما مررتُ بها وانا في طريقي،،،، وهي ملحقه بالمسجد القريب من منزلي
في كل مره أمر عليها احاول ان اصرف نظري عن لوحتها ،،،وكأنني اتعامى عن حقيقه أتناسها وهي لي بالمرصاد

(قل إن الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم )

يا الله ،،،ملاقيكم وجها لوجه
لا مفر منه مهما بذلنا من اسباب
ولن ينفع معه التعامي والتغافل والصدود ،،،،هذا ماتوحي به الآيه

*******
في وسط الغرفه انتصبت مغسله ضخمه تتدلى على جانبيها خراطيم
المياه الحاره والبارده ،،،ومنها سينساب الماء الدافئ على الجسد المسجى على الواحها الخشبيه لتنزلق قطرات الماء من بين الفتحات تحمل آخر ادران الميت وآماله واحلامه ولعلها ذنوبه بأذن الله الى قاعها

وفي السقف توجد اربطه متدليه ،،،علمت فيما بعد انها مخصصه لنقله من جانب الى آخر بعد الانتهاء من غسله

وبالقرب من المغسله توجد منضده كبيره توازي حجم المغسله ،،،يبدو انها تستعمل لأمر آخر لايقل اهميه عن المغسله ذاتها

في احد اركان الغرفه توجد دواليب ضخمه ،،،رُصت على رفوفها محتويات كثيره ،،،اول هذه المحتويات قماش ابيض ناصع البياض لايخالط بياضه لون آخر يعكر نقائه وصفائه ،،،وبمقاسات ثلاث كبير ، متوسط ، صغير

فالموت -سامحه الله- لايفرق بين صغير ولاكبير ولاصحيح ولامريض

هو ( الكفن ) آخر رداء يلف به ذاك الجسد وهو آخر أرزاقه من متاع الدنيا ،،،ليَقدُم به على ربه وكأنه يتقرب اليه بالنقاء والصفاء والاعتذار والخلوص من كل شائبه

وعلى الرف الاخر صُفت قوارير مختلفه الاحجام والاشكال تفوح لمن يقترب منها رائحه قويه نفاذه هي حنوط ذاك الجسد المسجى

واواني يُخلط بها السدر والكافور وركن آخر يشعل به الجمر للبخور

لم يقطع صمتي الا اصوات النسوه اللائي جئن يساعدن في التغسيل ،،،او بالاحرى من جئت انا لاساعدهن في تغسيل (الميته)

كانت النساء يتمتعن بروح قويه وهمه عاليه،،،خصوصا الاخت المحتسبه التي تمارس تغسيل الموتى بشكل دائم في هذه المغسله ،،،بدت رابطة الجأش مبتسمه ،،،متفائله بكل خير كلماتها تبعث على التفاؤل في موقف يسيطر اليأس فيه على النفوس المكلومه ،،،

بدأت تُبشر والدة الفتاة المتوفاه بالاجر العظيم والفوز الكبير وتقول لها ابشري ((ببيت الحمد)) ان صبرتِ واحتسبتِ ،،،ثم صارت تُثني على المتوفاه بحسن خُلقها وطول صبرها على مرضها وان ماعند الله خير للصابرين

بعدها اقتريت سياره الاسعاف من المغسله تحمل (جثة المتوفاه ) وكانت قلوبنا ساعتها قد بلغت الحناجر ،،،كان هذا احساسي فكيف باحساس والدتها واختها اللاتي اصررن على تغسيلها ،،،انفاذا لوصيتها ؟؟؟

تركنا المكان للرجال لحملها ووضعها على الالواح الخشبيه وسط المغسله وهي مغطاه بالكامل ،،،لايظهر منها شئ

بعد ان غادر الرجال المغسله ،،،عُدنا اليها ،،،ورُكبي لاتكاد تحملني من شده الرهبه ،،،ربما لانها المره الاولى التي اشارك فيها بتغسيل ميته

لما رأت اختنا المغسله مااعترانا من الخوف اغلقت باب الغرفه باحكام ،،،وطلبت منا الثبات ووزعت المهام ،،، واكدت على لبس القفازات للجميع فكانت مهمتي ان اخلط الماء ليكون دافئا لايؤذي الميته ،،،وكنت اتساءل في نفسي وهل الميته تحس ؟ !!

وطلبت من الاخرى ان تخلط الماء بالسدر ،،،والثانيه ان تدق مكعبات الكافور بالهاون المخصص لذلك وتخلطه بالماء
وشرعنا نعمل ،،،وحمدت الله انني ساتشاغل بتدفئه الماء عن الكشف عن الجثه ،،،وتجريدها من ملابسها

كانت حبيبتنا المُغسله احرص مايكون على ستر ((الميته )) بحيث لاينكشف شئ من جسدها لا يسمح لنا الشرع برؤيته ،،،فقد اسبغت عليها رداءا كبيرا قبل ان تكشف وجهها وجسدها وتجردها من ثيابها ،،،، جزاها الله خيرا

(من ستر مسلما ،،،ستره الله يوم القيامه )

فبدأت بسم الله وبكل هدوء كشفت عن وجهها ،،،وذكرت الله كثيرا ،،،ثم طلبت من امها واختها بتجريدها من ثياب المستشفى بكل هدوء ومن تحت الغطاء الساتر ،،،وتمت العمليه بكل يسر وسهوله

الحمدلله ،،،بعد انجاز هذه الخطوه دب الحماس فينا فاصبحت انا واخرى نصب الماء الدافئ على جسدها برفق كي تلين اعضاءها ،،،تمهيدا لعصر البطن والوضوء بمافي ذلك الاستنجاء من وراء حائل قامت بذلك اختها مأجوره

ثم جاءت مرحله التنظيف بالماء والسدر وكان فركا ،،،بدءا بشعر الرأس الى جميع اجزاء الجسد ،،،ثم الغسل بالماء الدافئ يتخلل ذلك الدعاء للميته بان يغسلها الله بالماء والثلج والبرد وينقيها من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الابيض من الدنس

ثم يصب عليها الماء الممزوج بالكافور ،،،لتُنقل الى المنضده القريبه بعد ان فُرش عليها الكفن وهو عباره عن ثلاث قطع متفاوته في الحجم ،،،وسبع اربطه

ينثر بين طياته الحنوط من المسك والكافور ويبخر بالطيب ،،،ثم تُطيب مواضع السجود بالعود او العنبر والمسك ،،،ويضفر شعر الراس ثلاث ضفائر كما جاءت بذلك السنه ويلف الجسد برفق وأناه وتشد عليه الاربطه ،،،وتسد منافذ العينين والمنخرين والاذنين بالقطن المطيب بالعود ،،،ويلف الرأٍس ويغطى الوجه في المرحله الاخيره

عندما انتهينا من التغسيل والتطهير والتطييب ،،،احسسنا كم هو المسلم كريم على ربه ،،،وكم هو عزيز عنده ،،،اذ اكرمه بالغسل والطيب ،،،ثم الصلاه عليه والدعاء له ،،،وان يقوم بكل ذلك مقربوه ومحبوه ،،،ليسلموه الى مثواه وهو قرير العين فيكون المسجد هو آخر مكان يخرج منه الى قبره ،،،،يالها من خاتمه ،،،نسأل الله ان يقيض لنا من يغسلنا ويطيبنا ويكفننا على سنه محمد صلى الله عليه وسلم ،،،وان يحسن خاتمتنا ،،،وان نلقاه وهو راض عنا وان يجعلنا ممن يتدبر ويعتبر من مثل هذه المواقف ف ((كفى بالموت واعظا ))

رد مع اقتباس