عرض مشاركة واحدة
  #1537 (permalink)  
قديم 14-02-2016, 06:07 PM
فهمي العبادي فهمي العبادي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 32
معدل تقييم المستوى: 17
فهمي العبادي يستحق التميز

جيليت علامة تجارية ترمز لسهولة حلاقة الرجل منا لذقنه بسرعة وبأمان مع تحقيق نتائج ممتازة. هل تعلم أن اسم جيليت يحمل معه الكثير من الدروس والاكتشافات والمبادئ التسويقية المتبعة حتى اليوم؟ دعونا نبدأ مع الرجل الذي جعل اسم جيليت خالدا حتى بعد وفاته، إنه الأمريكي كينج كامب جيليت أو King Camp Gillette.

جاء ميلاده في 6 يناير 1855 في مدينة فون دو لاك في ويسكونسن الأمريكية. كان له من الإخوة ثلاثة ومن الأخوات اثنتان. اشتهر والدا جيليت الابن بأنهما مخترعين، يخترعان الجديد والمفيد من الاختراعات الناجحة ماليا، رغم أنهما نالا نصيبهما غير منقوص من الفشل والإخفاق والخسارة ثم النجاح. هذه البيئة كانت عظيمة الأثر على بطل قصتنا اليوم، رغم أن هذا الأثر ظهر بعد عمر مديد.

دون جدوى

وعمره 4 من السنوات، انتقلت العائلة إلى شيكاغو حيث افتتح والده متجرا للآلات والمعدات لكن حريق شيكاجو الكبير في عام 1871 أتى على محل الوالد وتركه خاسرا لكل شيء، الأمر الذي اضطر العائلة للرحيل من جديد، هذه المرة إلى نيويورك، ليعمل الوالد كوكيل لحقوق الاختراع، وكان نقاش الأسرة حين تجلس على مائدة الطعام هو عن أحدث المخترعات، الأمر الذي جعل جيليت عاقد العزم على أن يخترع شيئا ما في يوم ما. حينما بلغ من العمر 17 ربيعا، ترك جيليت مقاعد الدراسة وبدأ العمل كرجل مبيعات مرتحل. مع كل منتج يبيعه، كان جيليت ينفق العائد على أبحاثه لاختراع هذا الاختراع الجديد الذي سيفيد الناس ويجلب له الثروة – للأسف دون جدوى!

حنق وغضب وغيظ

بحلول عام 1890 بدأ اليأس يتسرب إلى نفس جيليت، وبدأ يشعر أنه لا فائدة ترتجى ولا أمل ينتظر والطريق مسدود. في هذا الوقت كان لدى جيليت 4 من حقوق الاختراع باسمه، رغم ذلك وكما علق هو بنفسه علي هذه المخترعات، كانت تجلب الربح والمال لغيره بينما يحصل هو على أقل القليل من ورائها. الأمر الذي زاد من غضبه ويأسه وحنقه، هو أن والديه كانا يحققان النجاح تلو النجاح ويجلبان للعالم اختراعات جديدة ناجحة متتالية ـ حتى أن والدته نشرت كتابا لتعليم الطهي وضعت فيه أشهر وصفاتها لطهي الأطباق الشهية أسمته: كتاب الطهي للبيت الأبيض والذي ظل يبيع لمائة عام منذ طباعته لأول مرة. هذا الغضب والغيظ اشتد به وبلغ مبلغه حتى أنه في عام 1894 وعمره 39 عاما وضع كتابا عن الاقتصاد هاجم فيه الرأسمالية والمنافسة وحقوق الاختراع وطالب عوضا عن ذلك بتوفير مجتمع كامل فاضل.

النصيحة ذات الأثر الكبير

حتى هذا الكتاب لم يحقق أي نجاح بدوره، وبعدما بلغ 40 عاما، أدرك جيليت أنه بلغ حافة الهاوية وأن عليه فعل شيء ليحقق أي نجاح في حياته البائسة. في عام 1895 قرر جيليت العودة لمسقط رأسه، وهناك حيث وجد عملا كبائع في شركة بيع سدادات الفلين للزجاجات. رغم كل ذلك، كان واضحا على جيليت يأسه وقنوطه من حاله ومن فشله في اختراع الاختراع الناجح. هذا اليأس جعل صاحب الشركة يهمس في أذن جيليت بنصيحة ذات أهمية كبيرة، إذ نصحه بأن يخترع شيئا يحتاجه الناس ويستخدمونه ثم يتخلصون منه ويشترون غيره، تماما مثل سدادات الفلين للزجاجات حيث كان الناس يستعملوها في سد فوهة الزجاجات، ومرة بعد مرة من الاستخدام، يلين الفلين ويحتاج المستخدم لشراء المزيد.

هبوط الإلهام في يوم عاندته فيه شفرة الحلاقة

لم تكن النصيحة سهلة التطبيق، حتى أن جيليت أخذ يفكر في تطبيقها على أشياء كثيرة دون جدوى. ثم حدث ذات صباح في ربيع عام 1895 وبينما هو واقف في حمام منزله يحلق ذقنه استعدادا للذهاب لعمله، لاحظ أن شفرة ماكينة الحلاقة فقدت حدتها ولم تحلق شعر الذقن. أخرج جيليت الشفرة وأخذ يحاول سنها وجعلها حامية مرة أخرى، لكنه بالمحاولة أدرك أن الشفرة قد تآكلت ولم تعد صالحة للاستعمال وهنا هبط عليه الإلهام: هذا منتج يمكن التخلص منه وشراء غيره، والناس بحاجة ماسة له.

لا شيء يستحق يأتي سهلا

كانت الفكرة رائعة جدا بحيث أن تطبيقها كان مستحيلا، بمعايير هذا الوقت. أراد جيليت صنع شفرات حلاقة (أمواس حلاقة) رفيعة جدا، وحادة في ذات الوقت، في قالب صغير، يسهل تغييره والأهم لا تصدأ. ذهب جيليت وسأل الحدادين وخبراء المعادن والصهر والصب، وكلهم سخروا من الفكرة.

السخرية تسبق الفرج

استمرت السخرية حتى جاء عام 1900 حين قابل جيليت خبيرا كيميائيا اسمه: ويليام نكرسن William Nickerson وهو رجل اشتهر بنجاحه في تنفيذ الصعب والمستحيل من المشاريع، إذ أنه صنع المصباح الكهربائي بطريقة كيمائية سبق وقال عنها مخترع المصباح الكهربي – توماس إديسون – أنها مستحيلة. المشكلة أن حتى ويليام رأى أن فكرة جيليت مستحيلة التطبيق، ورفض حتى أن يجرب أو يحاول. كادت تكون هذه هي النهاية لولا أن أحد المستثمرين أخذ يلح عليه ويصر أن يحاول قبل أن يرفض، ونزولا على رغبته بدأ يجرب ويحاول، وسرعان ما اكتشف ويليلم أن الفكرة ممكنة التطبيق وليست معقدة بهذه الدرجة، وبدأ يجرب حتى وصل لفكرة عامة يمكن من خلالها صنع هذه الشفرات الحادة الصغيرة.

تأسيس شركة جيليت

وهكذا وبعد الاستعانة بويليام المخترع الماهر وبعد إقناع المزيد من المستثمرين، جاء تأسيس شركة جيليت لصنع ماكينات وشفرات الحلاقة الآمنة في 1901 برأسمال 5 آلاف دولار . كان اسم الشركة في البداية شركة الماكينة الأمريكية للحلاقة الآمنة أو American Safety Razor والذي تغير في العام التالي – بناء على طلب رئيس الشركة جيليت – لتكون ماكينة جيليت للحلاقة الآمنة.

ثم لم يحدث أي شيء وتراكمت الخسائر

بعدها لم يحدث شيء. رغم أن الماكينات والشفرات كانت مفيدة جدا وتوفر الوقت وآمنة إلى حد كبير، إلا أن الرجال لم تقبل على شراءها حين رأت إعلاناتها، واستمر الحال كذلك حتى نفد رأس المال، وبلغت الخسائر والنفقات 12 ألف دولار، حتى أن جيليت كاد أن يعلن إفلاس الشركة الناشئة. حاول شريكه ويليام المخترع أن يقنع مستثمر جديد بضخ المزيد من المال إلا أن هذا المستثمر طلب في المقابل 51% من أسهم الشركة الناشئة وهو ما رفضه جيليت. في نفس الوقت، ذهب لمستثمر سبق له الاستثمار في أحد مشاريع جيليت الفاشلة، والذي وافق على المساهمة لكن في مقابل قسم كبير من نصيب جيليت من أسهم الشركة، الأمر الذي جعلهما يتنافران كثيرا بعدها.

جيليت، مبد التسويق بالعينات المجانية
صورة جيليت على عبوات شفرات الحلاقة
بعد توفر المال…

بعدما توفر مال إضافي من المستثمر الجديد، بدأ ويليام العمل في بناء خط إنتاج أفضل، وفي منتصف عام 1903 ظهرت في الأسواق ماكينة حلاقة جيليت الجديدة والتي كانت تباع مقابل 5 دولار شاملة شفرة حلاقة واحدة، وكانت الباقة التي تحتوي على 20 شفرة حلاقة تباع مقابل دولار واحد (للمقارنة، في هذا الوقت كانت متوسط أجر العامل العادي 40 – 50 دولار شهريا). في عام 1903، باعت جيليت 51 ماكينة حلاقة و168 شفرة حلاقة فقط، وهو ما لم يكن كافيا لأن يترك جيليت وظيفته النهارية حيث كان يعمل بائعا لسدادات الفلين، واضطر للانتقال إلى لندن في مطلع عام 1904 بسبب وظيفته.

قبلها طلب جيليت من إدارة الشركة أن تخصص له راتبا شهريا يعوله هو وأسرته إلا أن المستثمرين رفضوا (خاصة المستثمر الذي جاء به جيليت بنفسه والذي سأسميه المزعج من الآن فصاعدا) وقالوا بأن على كل دولار متوفر في مال الشركة أن يذهب في تطوير الأعمال. بعدها استقال جيليت من منصب الرئيس وركب السفينة قاصدا لندن مع أسرته تلبية لأوامر وظيفته.

في العالم التالي

كان عام 1904 جيدا من منظور المبيعات إذ باعت الشركة 90 ألف ماكينة حلاقة ومئتي ألف شفرة، وفي هذا العام سجل جيليت براءة اختراعه التالي، ماكينة حلاقة تستعمل شفرتي حلاقة لا واحدة فقط. في هذا العام أيضا بدأت مشاكل من نوع جديد تظهر، إذ توجب توسيع خط الانتاج لإنتاج المزيد من الشفرات والماكينات، وهذا بدوره تطلب المزيد من المال. أراد المستثمر المزعج بيع حقوق الانتاج لمنتجين دوليين، وحين علم جيليت بالأمر، أسرع وركب السفينة عائدا ليوقف هذا القرار، وحين وصل انخرط في ألاعيب وحيل سرية للحصول على مزيد من الأسهم، ليكون نصيبه أكبر من نصيب المستثمر المزعج، ونجح في إقناع مجلس الإدارة بألا يوافق على هذه القرار وأن يوظف جيليت براتب وأن ينزل درجة المزعج إلى نائب المدير ليتولى جيليت زمام الأمور بنفسه، وهو ما تم في النهاية.

صورة إعلان لعبوة ماكينة حلاقة جيليت
صورة إعلان لعبوة ماكينة حلاقة جيليت
للتأكيد على هذه الرسالة الإعلانية، ظهر جيليت بنفسه في الإعلانات (وعلى الأغلفة الورقية للشفرات) حيث ظهر وهو يقول إذا لم تكن ماكينة الحلاقة جيدة لم أكن لأسألكم أن تجربوها. لقد أدرك جيليت أنه لا يسأل الناس أن تستخدم ماكينات حلاقة جديدة، لقد كان يطلب منهم استخدام نظام جديد تمام لحلاقة الذقن. عمل جيليت كذلك على تشجيع الجرائد اليومية للكتابة عن ماكينة الحلاقة الجديدة، وتبرع بكتابة مقالات منها مقالة عن الطرق الصحيحة للتخلص من الشفرات المستخدم من جيليت.

هنا أنصح بقراءة مقالتي السابقة بعنوان التسويق بالعينات المجانية وهو نشاط ابتدعه جيليت

إعلان جيليت العبقري الذي يحمل معان كثيرة: السعادة، البدء مبكرا، سهولة الاستخدام، الأمان...
إعلان يحمل معاني السعادة، البدء مبكرا، سهولة الاستخدام، الأمان
من تجربة إعلانية لأخرى، حتى جرب جيليت في عام 1905 وضع صورة طفل رضيع وجهه مغطى بصابون حلاقة الذقن في إعلان ورقي في جريدة، وقال الإعلان: ابدأ مبكرا، احلق لنفسك بنفسك. بعدها في 1906 نشر جيليت إعلانا يظهر فيه جورج واشنطون يحمل ماكينة حلاقة تقليدية و ماكينة حلاقة جيليت الجديدة، في إشارة إلى أن ماكينات جيليت تمثل الحرية والاستقلال – تلك المبادئ التي عليها قام تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. بعدها بدأ مشاهير الرياضيين يظهرون في إعلانات وهم يستعملون ماكينة جيليت، وهي خطوة أثبتت فاعليتها بقوة، وجعلت الشركة تستمر في هذا الأسلوب من الإعلانات لعقود تالية.

وعمره 55 عاما، قرر البيع

لم يكن المستثمر المزعج راض عن أسلوب جيليت في الإدارة، وهو لم يجانبه الصواب في ذلك، إذ كان جيليت صاحب قرارات إدارية متعارضة، لكن رؤيته المستقبلية لماكينة الحلاقة كانت ثاقبة. في عام 1910 عرض المزعج على جيليت شراء حصته الكاملة في الشركة مقابل 900 ألف دولار، وهو ما وافق عليه جيليت بكل سعادة، فهو بذلك حقق هدفه ألا وهو الثراء ورأى أنه سيترك مال كاف لأسرته من بعده. كان عمره ساعتها 55 عاما.

في الحرب خسائر وفرص

رغم رحيل جـيليت عن شركته، إلا أنه ظل غير بعيد عن قرارات الشركة التسويقية، فهو الذي اقترح على الشركة أن تعطي كل جندي أمريكي ذهب للحرب العالمية الأولى، بل ولكل جندي يدخل الجيش الأمريكي، ماكينة حلاقة جيليت. بناء على اقتراحه صممت الشركة عبوة خاصة تناسب طبيعة الحرب والجندية وباعتها بالتكلفة (أو بربح ضئيل جدا) للجيش الأمريكي. هذا القرار وحده كان ذا أثر إيجابي كبير للغاية، إذ بنهاية الحرب العالمية الأولى، استخدم الجنود الأمريكيون أكثر من 3.5 مليون ماكينة حلاقة، واستهلكوا 32 مليون شفرة حلاقة، كما استمر الكثير من الجنود في استخدام ماكينة الحلاقة بعد عودتهم من الحرب.

عام 1929، عام الدمار والرماد

بعد بيع أسهمه، استمر جيـليت في منصب المتحدث الرسمي باسم الشركة وسفير النوايا الحسنة، واستقر في كاليفورنيا واشترى أرضا زراعية وبدأ يزرع البرتقال والتمر. حاول جيليت أن يجعل من ابنه مخترعا مثله لكنه فشل في ذلك أيما فشل، وحين حل الكساد العظيم في أمريكا وانهارت البورصة في 1929، خسر جيليـت ثروته التي اكتسبها من اختراعه وعاد فقيرا كما بدأ، بعد مرور 5 سنوات على بدء الكساد. في آخر 5 سنوات من حياته، دخل جـيليت في محاولة أخيرة فاشلة، ألا وهي استخراج النفط من الزيت الصخري دون فائدة (وهو الأمر الذي نجح في عالمنا اليوم). في عام 1932 مات جيـليت.

اليوم، وبعد مرور قرن على رحيل جيليت المؤسس، لا زالت الشركة تبيع 5 شفرات حلاقة مقابل كل شفرة يبيعها المنافسون. في عام 2005 اشترت بروكتر و جامبل كل أصول شركة جيليت مقابل 57 مليار دولار.

الشاهد من القصة

استغرق الأمر مني أسبوعين في قراءة مواد تكفي لنشر هذه القصة. احرص على أن تستفيد أنت منها (ولا تشكو من طولها).
في حين رأى رجال أعمال ومستثمرون أن الحرب العالمية الأولى هي مصيبة وكارثة. على العكس منهم، عمل جيليت على الاستفادة منها لا الشكوى، وقرر توزيع منتجات شركته على هؤلاء الجنود والذين أصبحوا عملاء مدى الحياة له، وسفراء لمنتجاته.
كان جيليت من أوائل المدراء الذين رأوا أن الإعلان عنصر أساس لنجاح الشركة ومنتجاتها. كذلك كان جيليت من أوائل من ركزوا في إعلاناتهم على فوائد المنتج لا المنتج ذاته، وكيف يحقق منتجه متطلبات الحياة العصرية التي يرغب فيها أي مستهلك.
هذه القصة وردت مع تفاصيل إضافية ضمن محتويات باقة النجاح الإلكترونية التي يمكن شراؤها من هذا الرابط.

رد مع اقتباس