في أول النهار أتت لتوقظني لعملي ، فصحيت لأجله لا لأجلها ..
صحيت وهمي عملي ، صحيت ولم ألتفت لها ، لم أكلمها
بادرتني بصباح الخير ياولدي ، لم أرد لها التحية ..
شاركني الفطور ياولدي ، سأفطر في العمل مع زملائي ..
ذهبت إلى عملي ، ولم أقبل يدها ولا رأسها ، لم أقل لها حتى كلمة تبهج خاطرها ، الذي خلق لها وأستعملته لي ، وياليتني أستحق ..
غرقت في عملي ، لأجل ذاتي ، وهي تغرق في بيتها ، لأجل ذاتي أيضاً
مرت ساعات العمل سريعاً على غير العادة ، وكأنها تحيى لموتي ، وتفرح لحزني
رن هاتفي مبحوحاً ، بنغمةٍ تصارع غصات البكاء
أحسست بها ، من دون جزم
قبلت المكالمة ، فكانت بداية النهاية
أختي تجهش بالبكاء ، بكاء سيطر عليه الخوف ، وتغلف بالسواد ، لم أفهم من كلامها سوى .. أمي .. أمي
أنهيت المكالمة ، فتحت عيناي على مكاتب الموظفين ، فاذا بصورة أمي تملئ المكان ، تارة هنا ، وأخرى هناك
مرةً تدعوني للغداء ، ومرةً تسأل عن حال قدمي المصابة ، لم أكلم أحداً لأني لا أرى أحد ..
لا تسألوني عن الطريق من عملي إلى حيث توجد أمي ، لا أذكر أبداً لا أذكر
دخلت إلى المنزل ، بل إقتحمت المنزل ، فإذا بشحنة من الطاقة السالبة تستقبلني ، رأيت السواد في عز النهار ، بدأت دقات قلبي بالتسارع شيئاً فشيئاً ، حتى رأيتهاهناك في زاوية الصالة ، آآه يااال فضاعة المنظر ..
أمي ترقد بإحرامها على سجادة الصلاة ، وجهها المضيء ، يداها ، قدماها ، جسدها الطاهر ، كلها أمامي ، لكن من دون حراك ..
أختي تبكي ، وأخواني يأتون من أعمالهم ، وأنا أراها ، لم تفارق عيني وجهها ، أنا من سيوقظها كما فعلت بي في الصباح ، خاطبتها ..
أمي ... أمي ... كأني رأيت جفن عينها يتحرك ...
أمي ... أمي ... لم تستجب ...
مددت يدي ولمست يدها ، حركتها ... لم تستجب ...
أحسست بحجر يقف في حلقي ويأبى الخروج ، صدري يدفع ، وعبرتي تصارع ، وعيني لا تفارق أطهر وجه على الأرض ، ناديتها ..
أمي ... أمي ... أمي
عندها أدركت أنها لن ترد لأنها أصبحت جسداً بلا روح
رحلت أمي ، بعد أن كانت على الأرض ، تطهر كل مكان تطأه قدماها ..
رحلت أمي ، وتركتني وحيداً ، مع نفسي ..
رحلت أمي فلم يبقى بشر ...
رحلت من كانت رمزاً لكل جميل ..
فلا أوفى من أمي ، ولا أحّن من أمي ، ولا أرّق من أمي ...
كسرت قوانين العشاق ، والمحبين ، كانت تحبني وأحبها ، ليس كحب ليلي لقيس ، ولا حب قيس لليلى
لم يكن حبها حيوانياً ، تدفعه غريزة الشهوه
لم يكن وفائها شراع ، تحركه رياح المصلحة
لم يكن حنانها مصطنعاً ولامتكلفاً
كانت أرق علي من نسمة الربيع
كانت تخاف علي ، وتراعيني ، وتسهر لأجلي
كانت تحزن لأفرح ، وتشقى لأرتاح ، وتسهر لأنام ، وتترك لآخذ
كانت معي قبل ساعات ، تكلمني ولا أرد ، تدعوني لأشاركها لقمة الصباح فأتركها ، تنتظر مني قبلة على رأسها ويديها ، فأتعالى وأتكبر ...
عودي لي ولو ساعةً ، عودي أمي
عودي لأطهر فمي بقدميك ، عودي لأرسم بسمةً لشفتيك ، عودي لأهديك قلبي وما ملكت يميني ..
أرجوك عودي .. لأقسم لك بأني أرى النهار بعدك مظلماً ،، والأرض بدونك خالية من البشر ،،
عودي فلا الماء بعدك يرويني ، ولا نفساً بعدك يحييني
أمي رحلت ، ولن تجيب
لن ينفع بكاء ولا نحيب
رحلت من غير رجعة ، رحلت إلى ربي وربها
أرحم مني بها ، وأكرم مني لها
اللهم أرحم أمي ، اللهم أرحم أمي
إنتهت القصة ، وهي من نسج خيالي ، لكنها ستكون لي ولك في يوم من الأيام ، إن قدر الله يومها قبل يومك ، وقد كتبتها لكم لعلكم تتأثرون كما تأثرت وأنا أكتب حروفها ، وتستشعرون أن في بيوتنا أبواب مشرعة لمن أراد الجنه
فهاهي أمك تنتظر قدومك لتقبل رأسها ويديها ، ولاتعصي لها أمراً في غير معصية الله
أما أنا الآن ، فغارق في تقبيل رأس ست الحبايب<B>
[align=center]
انتي الأمان .. انتي الحنان .. من تحت قدميكي لنا الجنان
[/align]